صادف قبل أيام قليلة مرور اليوم العالمي للشباب، وهو يوم أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2000، لتقوم دول العالم أجمع بالاحتفاء بالشباب في هذا اليوم. وفي مجمل السنوات العشرين التي تلت الإعلان عن هذا اليوم، لم يشعر شباب سورية بمرور هذا اليوم، إلا من خلال بعض النشاطات الخجولة التي تقوم بها منظمات الأمم المتحدة المعنية من خلال برامجها ومشاريعها المتعلقة بالشباب. ويمتد ذلك إلى عدم وجود أي يوم وطني للاحتفاء بالشباب في سورية، باستثناء أيام تأسيس المنظمات الشعبية وبعض المؤسسات التنموية التي تعد بمثابة الأعياد في تلك المنظمات، وهي لا تمثل كل الشباب السوري بطبيعة الحال.
لا يتم الاحتفاء بيوم مخصص للشباب في سورية، على الرغم من أن الشباب السوري من عمر 15 إلى 30 يشكّل ما نسبته ثلث عدد السكان تقريباً، وإذا ما زدنا الشريحة العمرية لجعلها من 15 إلى 40 لصارت النسبة أكبر من ذلك بكثير، وهذا يعني أن الشعب السوري يعدّ من الشعوب الفتية التي تتمتّع بقدرات وطاقات إنتاجية عالية ، لكن هذا الأمر يشكّل في الوقت ذاته تحدياً كبيراً لأي حكومة تدير شؤون البلاد دون وجود أدوات وسيطة ومؤسسات تعنى حقيقة بواقع الشباب وتبحث عن حلول لتحدياتهم.
واقع الشباب السوري وتحدياته قبل الحرب
في عامي 2010/2009 أقيم مشروع بعنوان “أجندة الشباب” بنيت مخرجاته من خلال إقامة 150 جلسة حوار شارك فيها حوالي 1400 شاب وشابّة، حيث عملت تلك الجلسات على سبر مختلف ما يهم الشباب وفق تقسيم الجلسات إلى شرائح عمرية، مع لحظ المستوى التعليمي لكل مجموعة نقاش، وسعى الباحثون وميسرو الحوارات آنذاك لفهم مشكلات الشباب وهواجسهم ووجهات نظرهم حول الحلول الممكنة وحول طموحاتهم المستقبلية.
أبرز المشكلات والقضايا التي تناولتها الدراسة المنبثقة عن مشروع “أجندة الشباب” آنذاك كانت تتعلق بضعف فرص العمل حيث كانت نسبة بطالة الشباب تشكّل 26% عام 2008 حسب إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء، إضافة لضعف ثقافة الابتكار وريادة الأعمال نتيجة غياب الإرشاد الصحيح ونقص الموارد المالية وصعوبة الحصول على القروض، وانسحبت تلك المشكلات إلى تحديات تأمين المسكن والزواج والمستقبل لكل شاب وشابّة.
كما برزت مشكلة فقدان الثقة بالتعليم السائد بمراحله كافة، لاسيما بما يتعلق بحداثة المناهج ومواكبتها لسوق العمل الجديدة، وافتقار الفضاء التعليمي للتدريب العملي والاكتفاء بالنظري، إضافة لغياب تام للإرشاد الأكاديمي، ومشكلة عدم تعبير الطالب عن رأيه فيما يتعلم وعن المشكلات التي تواجهه أثناء التعليم بسبب عدم سماح النظام التعليمي السائد بذلك، كما برز التذمر الكبير من حالة الفساد الموجودة داخل الجامعات، عدا عن وجهة نظر شريحة واسعة من أولئك الشباب بأن التعليم السائد غير قادر على إدخالهم إلى سوق العمل.
من المشكلات التي ظهرت أيضاً مشكلات العلاقات الأسرية والارتباط بالعادات والتقاليد ومحاولة الخروج عنها والتحرر منها، ذلك أن غالبية الشباب يرتبطون ارتباطاً قوياً بأسرهم التي تعتبر في كثير من الأحيان المصدر الأول مثالاً للقدوة ومصدراً للقيم، لكن تدخّل الأسرة في شؤون الشباب اليومية والمستقبلية كانت تحدّ من إمكاناتهم وتفرض عليهم الخضوع لرغبات الأهل دون محاولة اكتشاف ذاتهم والتي كانت تؤدي في بعض الأحيان إلى التمرد على الأهل والانتماء إلى جماعات متطرفة أو غريبة عن المجتمع. عدا عن مشكلة صعوبة التفاهم بين الأجيال والتمييز الجندري والعنف القائم على النوع الاجتماعي وغيره.
كما أبرزت خلاصة المشروع ضعفاً عميقاً للمشاركة المجتمعية لا سيما عند الشباب غير المنتمي لمنظمات شبابية أو أهلية، ولحظت أن الموضوع يتفاوت ما بين المدن الكبرى حيث تتسم المشاركة المجتمعية للشباب بكبر نسبتها مقارنة بالمدن الصغيرة والشرقية والأرياف.
وقد أتت الدراسة على وجود مشكلات كبيرة وهواجس في النظرة إلى المستقبل، وصولاً إلى تحديات أكبر تتعلق بالخدمة الإلزامية وبالانتماء والمواطنة ورؤيتهم للاختلاف والتنوع، وهذا يحتاج ربما لمقال آخر.
لكن من أبرز ما خلصت له الدراسة المنبثقة عن المشروع وجود نقص حاد في المساحات المتاحة أمام الشباب السوري للتعبير عن الرأي واستثمار الطاقات وتحقيق الذات والحوار والتعرف إلى الآخر، إضافة إلى عدم مواكبة المؤسسات والأطر القائمة للتطور وعدم قدرتها على تلبية حاجات ورغبات الشباب، وعدم مواءمتها مع العصر الجديد وأدواته.
ربما كان مشروع “أجندة الشباب” آنف الذكر من أهم ما حصل خلال السنوات السابقة للحرب لدراسة وتقييم حالة الشباب السوري، بعد فشل وابتعاد السياسات الحكومية عن استيعاب هذه المشكلات والتحديات، وبعد فشل المعنيين في إنتاج استراتيجية وطنية للشباب قائمة على دراسة حقيقية وشفافة، وربما كان ذلك المشروع نقطة بداية في مشروع أكبر لشباب سورية، لكن الحرب كانت أسرع منه، حيث خرجت الدراسة المنبثقة عن المشروع بالتزامن مع انطلاق الأزمة السورية قبل تسعة أعوام.
واقع الشباب السوري وتحدياته ما بعد الحرب
بعد نشوء الأزمة السورية واندلاع الحرب تعقدّت الحياة بكاملها في سورية وبرزت تحديات كبيرة أمام الشباب السوري زادت من عمق المشكلات السابق ذكرها وعززتها، ووضعت الشباب السوري أمام مشكلات وتحديات كبيرة، فازدادت البطالة بنسب غير مقبولة، وازدادت الهوة بين الطالب وبين العملية التعليمية التي فقدت كل المؤشرات النوعيّة وتعرضت لمزيد من فقدان الثقة.
ازدادت المشكلات المجتمعية بشكل كبير، وبرزت مشكلات جديدة أمام الشباب السوري منها العسكرة و طول مدة الخدمة الإلزامية والاحتياطية، وانعدام الأمن الاقتصادي، وتناقص وضعف فرص العمل وفشل نسبة كبيرة من المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر والتي كانت ملاذاً لشريحة هامة من الشباب. كما ازدادت حالات الفساد حتى بلغت مبالغ غير مسبوقة، وتقلصّت جميع أنواع الفرص داخل سورية، وبرزت تحديات جديدة تتعلق بجرحى الحرب من الشباب وتأمين حياة كريمة لهم، كما تعمّقت الفوارق الطبقية والمناطقية بشكل كبير وازداد الفقر والعوز بشكل أكبر أما مشكلات تأمين السكن والزواج والعيش الكريم فباتت من أعمق المشكلات التي تهدد أجيالاً عديدة من شباب سورية.
ومن أبرز المشكلات الطارئة على بلد يعاني من حرب إرهابية وحصار وعقوبات كانت هجرة عشرات الآلاف من الشباب بحثاً عن مستقبل أفضل وحياة أفضل وفرص في التعليم والصحة والحياة، وقد تشكّل هذه الفكرة جدلاً إذا ما قاربناها بمفهوم المواطنة والانتماء لكننا أشرنا إلى أن دراسة عام 2010 أبرزت وجود مشكلات من هذه الناحية، وعلينا أن نعي أن الشباب المهاجر هو ثروة سورية في الخارج وأمانتها، إذ ينبغي العمل على الاستفادة من الجزء الأكبر منهم والتفكير بعودتهم إلى البلاد وفتح أقنية التواصل معهم.
كما يعاني الشباب السوري اليوم من تأخره تقنياً وفكرياً وعلمياً عن أقرانه في الدول الأخرى بما فيها دول الجوار، وبظل الأزمة القائمة قد يكون هذا مبرراً نتيجة اختلاف الأولويات وغياب الاستقرار، لكن بالمقابل فإن عدم التفكير بإيجاد حلول واقعية لهم سيجعل باب الهجرة مفتوحاً على مصراعيه. واعتماداً على أن معظم شباب الأجيال المعاصرة باتوا يتواصلون عبر الشبكة من خلال أجهزة الجوال، فإن هؤلاء الشباب باتوا يقرؤون ويسمعون ويشاهدون ما يحدث في الدول الأخرى، يسمعون عن أقرانهم في دول المتقدمة كما في دول العالم الثالث، ويقرؤون عن آخر صيحات الحياة الكريمة والعيش الرغيد والحكم الرشيد، ويتابعون الفرص ويطالبون بمثلها، إذ لم يعد من المناسب التعامل مع الكثير من القضايا بمثابة المكرمات التي تقدم للشباب بين فينة وأخرى بتفاصيل حياتية كثيرة بينما يتابعوها كأبسط الحقوق في دول العالم المختلفة اليوم.
تكاد تكون مشاكل الشباب السوري اليوم وتحدياته من مشاكل الوطن ككل، وجزء لا يتجزأ عنه، ولا يمكن حلّها أو التعامل معها حتى كجزء من كل، على الأقل طالما بقيت الأزمة والحصار والعقوبات على حالها، والحديث يطول للغاية في هذا الأمر ويحتاج لآلاف الكلمات وعشرات الصفحات ولا يسعها مقال ولا حتى دراسة.
كيف يعبّر الشباب السوري عن مشكلاته وتحدياته اليوم؟
على الرغم من أن الأزمة أطلقت العنان للشباب وعمّقت مشاركتهم المجتمعية وفي كامل الميادين بدءاً من الدفاع عن أرض سورية، وليس انتهاء بالتطوع في كل ما له علاقة بمفرزات الحرب، إلا أن هناك حلقة ناقصة في التعامل مع قضايا الشباب. عدا عن أن معظم الشباب السوري اليوم يعبّر عن مكنوناته وهواجسه وأفكاره وآرائه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمارسون حرياتهم المحفوفة بمخاطر قانون الجرائم الإلكترونية بطريقة عشوائية دون وجود من يسبر أفكارهم أو يدرس اتجاهاتهم واحتياجاتهم على تلك الشبكة.
وعلى الرغم من تأسيس العشرات من المساحات والجمعيات والمؤسسات الشبابية بفعل الأزمة والحاجة الماسة لتفعيل الطاقات الكامنة لدى الشباب، إلا أن العملية اليوم تتم من خلال قانون الجمعيات عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، والذي ما زال قاصراً في تحويل جمعياته ومؤسساته إلى منظمات تمارس فعل المناصرة والضغط والتأثير على السياسات. كما أن بيروقراطية العمل والرقابة على العمل الشبابي قامت بخنق مئات المبادرات الشبابية والمشاريع المتعلقة بالشباب. عدا عن أن الاتحادات والمنظمات الشعبية التي تعنى بالشباب اليوم غائبة ولا تمثّل جزءاً كبيراً من الشباب غير المنظّم، والذين لا ينجذبون أصلاً للانتماء لهذه المنظمات لأسباب عديدة أهمها عدم امتلاك هذه المنظمات للأدوات التي تخاطبهم بها وتجذبهم إليها.
نحو مجلس أعلى ووزارة وقانون للشباب
إن المشكلات التي تحدثنا عنها سواء تلك التي سبقت الأزمة أم تلتها، هي مشكلات تحتاج لمن يهتم بها بشكل رسميّ وحكوميّ ، وفيما أبرزت مشكلات ما قبل الحرب غياب المساحات الشبابية، تبيّن بعد الأزمة أن عدم وجود من يتحدث باسم الشباب السوري بصورة شاملة سواء في الحكومة أو في مجلس الشعب كان سبباً في إهمال هذه التحديات لسنوات طويلة، وعلى الرغم من إطلاق لجنة للشباب في مجلس الشعب إلا أنها بقيت قاصرة لم تنتج أي أعمال تذكر خلال دورين تشريعيين سابقين. عدا عن أن الهياكل الحالية لا تمثل كل شباب سورية بكامل شرائحه ومكوناته، ولا تتحدث بمشكلاته العامة أمام الحكومة باستثناء الدور النقابي الذي يلعبه الاتحاد الوطني لطلبة سورية في قضايا التعليم.
وباتت هناك حاجة ماسة لجسم تنظيمي وطني ينظّم عمل الشباب ويتحدث باسمهم، كمجلس أعلى يعمل على إيصال صوت الشباب إلى الدولة وصانع القرار، ويضمن مشاركة الشباب في صنع القرارات والسياسات من خلال آليات واضحة ومرنة تتغير بتطور الحياة، ويقوده الشباب المؤهل بنفسه. يضمن هذا المجلس افتتاح المساحات والحواضن الشبابية، ويساهم في تطبيق سياسات الحكومة في قطاع الشباب، كما يكون صلة الوصل بين الشباب والحكومة من جهة، وصلة الوصل بين الشباب ولجنتهم في مجلس الشعب. تكون عضويته للمنظمات والهيئات والجمعيات والمؤسسات الشبابية وفق تصنيفات تمثيلية عادلة، كما يضم في هوامشه برامج لعضوية الشباب غير المنظم. كما يمنح تراخيص عمل للمبادرات الشبابية ويضم حواضن للأعمال الريادية الشبابية، والأفكار تطول في هذا الإطار.
وقد ظهرت العديد من المطالبات مؤخراً بضرورة إنشاء وزارة للشباب، أسوة بالعديد من الدول الأخرى، لكن هذا الأمر سيحدّ من الغاية من تأسيس هذا الجسم التنظيمي لأن عمل الوزارات مقيّد بقوانين ونصوص دستورية قد لا تؤمن الاستقرار المطلوب لعمل الشباب، ولا تؤمّن انسيابية طرح الأفكار والرؤى وتبادلها مع الحكومة بما يخص العمل الشبابي، وما نطرحه كحل هو وجود وزارة دولة لشؤون الشباب تكون صلة وصل بين أي جسم تنظيمي وبين أعضاء الحكومة ووزارتها.
على أن العديد من الدول في السنوات الأخيرة عملت على صياغة قوانين وتشريعات خاصة بالشباب، لتعمل بها حكومات تلك الدول، فتنص هذه التشريعات على تحديد سن الشباب على سبيل المثال، وآليات تمثيلهم وتمكينهم، كما تنص النصوص التشريعية تلك على مواضيع تتعلق بالمساواة والحق بالتعليم والتدريب والتوظيف وتلبية متطلبات تمثيلهم من خلال الموازنات العامة للدول. كما تتطرق التشريعات تلك إلى تحديد نسب وجود الشباب في العمل العام، وآليات تدريبهم وتأهيليهم وتمكينهم لذلك، وتشير بعضها إلى آليات صناعة الاستراتيجيات والسياسات المتعلقة بالشباب وهذه خطوة إذا ما تحققت في سورية، فسوف تضع التحديات والمشاكل والحلول الخاصة بالشباب على طاولة الحكومة بقوة النص التشريعي، وبأدوات التنفيذ الممثلة بوزارة دولة ومجلس أعلى.
في الختام
تطورت البشرية بتطور المجتمعات، وتطورت المجتمعات بعزيمة وطاقة شبابها فأنتجت دولاً قوية ومنيعة، وهذا يعني أن تشجيع الشباب وتمكينهم من حرية الاختيار والتعبير وتحمّل المسؤولية والتعبير عن أنفسهم وعن قدراتهم ومواهبهم وعن هواجسهم والعمل على تصحيح مسارات تمثيلهم هو أولوية وحاجة ضرورية، وإذا سلّمنا بصحة تشخيص مشكلات الشباب في سورية، فعلينا أن نقتنع أن هناك عدد من التغيرات يفرضها الواقع الذي نعيشه. هذه التغيرات تفرض التحول من العلاقة الفوقية ذات الطابع الإملائي إلى علاقة تشاركية تبادلية، فيصبح كل من الشباب والدولة فاعلاً ومنفعلاً، مبادراً ومتجاوباً، مرسلاً ومستقبلاً، وهذه فرصة للنماء من خلال الانفتاح والتقبل والاعتراف المتبادل بالمكانة والقيمة والجدارة. وهذا ما يحتاجه شباب سورية وهذا ما يساعد في ترميم ما خرّبته الحرب، ويساعد بنمو وبناء وطن سليم. وعندما يتم ذلك، يمكننا الاحتفال بيوم خاص لشباب سورية.